فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيات:

قال عليه الرحمة:
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)}.
وضَرْبُ المَثَلِ بعيسى هو قوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ} [آل عمران: 59]؛ خَلَقَ عيسى بلا أب كما خلق آدم بلا أبوين. فحجدوا بهذه الآية.
وقيل هو قوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] فقالوا: رضينا بأن نكون في النار مع عيسى وعُزَيْر والملائكة، وليس لهم في الآية موضع ذِكرْ؛ لأنه سبحانه قال: {وما} تعبدون، ولم يقل (ومن) تعبدون.
{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِِلاَّ جَدَلاَ}: وذلك أنهم قالوا: إن قال آلهتكم خيرٌ فقد أقرَّ بِأنها معبودة، وإن قال: عيسى خيرٌ من آلهتكم فقد أقرَّ بأن عيسى يصلح لأن يُعْبد، وإن قال: ليس واحدٌ منهم خيرًا فقد نفى ذلك عن عيسى عليه. وهم راموا بهذا الكلام أن يجادلوه، ولم يكن سؤالهم للاستفادة فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم عليهم: «أن عيسى عليه السلام خيرٌ من آلهتكم ولكنه لا يستحق أن يُعْبَد؛ إذ ليس كلٌّ ما هو خيرٌ من الأصنام بمستحق أن يكون معبودًا من دون الله» وهكذا بيَّن الله- سبحانه- لنبيِّه أنهم قوم جَدِلون، وأنَّ حُجَتَهم داحضةٌ عند ربهم.
قوله جلّ ذكره: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ} فليس عيسى إلا عبدٌ أنعمنا عليه بالنبوَّة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلاَئِكَةً في الأَرْضِ يَخْلُفُونَ}.
ولو شِئْنا لأنزلنا ملائكةً من السماء حتى يكونوا سُكَّانَ الأرض بَدَلَكم.
ثم قال: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هّاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}.
{وإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ}: يعني به عيسى عليه السلام إذا أنزله من السماء فهو علامةٌ للساعة، {فَلاَ تَمْتَرُونَّ} بنزوله بين يديّ القيامة.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.
ولا يصدنكم الشيطانُ عن الإيمان بالساعة، وعن أتِّباع الإيمانِ بهُداي.
{وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قال قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)}.
ذكرَ مجيءَ عيسى عليه السلام أول مرة؛ حيث أتى قومَه بالشرائع الواضحة، ودعاهم إلى دين الله، ولكنهم تحزَّبوا عليه، وإن الذين كفروا به لمستحقون للعقوبة.
قوله جلّ ذكره: {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذِ بَعْضُهُمْ لِبَعضٍ عَدُوٌ إِلاَّ المُتَّقِينَ}.
ما كان لغير ِ اللَّهِ فمآلُه إلا الضياع والأخلاءُ الذين اصطحبوا عَلَى مقتضى الهوى بعضهم لبعض عدو؛ يتبرَّأ بعضُهم من بعضَ، فلا ينفع أحدٌ أحدًا.
وامَّا الأخلاءُ في الله فيشفع بعضهم في بعض، ويتكلم بعضهم في شأن بعض، أولئك هم المتقون الذين استثناهم الله بقوله: {إِلاَّ الْمُتَقِينَ}.
وشرط الخلَّة في الله؛ ألا يستعمل بعضُهم بعضًا في الأمور الدنيوية، ولا يرتفق بعضهم ببعضٍ؛ حتى تكونَ الصحبةُ خالصةً لله لا لنصيبٍ في الدنيا، ويكون قبولُ بعضهم بعض لأَجْلِ الله، ولا تجري بينهم مُداهَنَةٌ، وبقَدْرِ ما يرى أحدُهم في صاحبه من قبولٍ لطريقِ اللَّهِ يقبله؛ فإنْ عَلِمَ منه شيئًا لا يرضاه اللَّهُ لا يَرْضَى ذلك من صاحبه، فإذا عاد إلى تركه عاد هذا إلى مودته، وإلاّ فلا ينبغي أن يُساعدَه عَلَى معصيته، كما ينبغي أن يتقيه بقلبه، وأَلا يسكنَ إليه لغرضٍ دنيوي أو لطمعٍ أو لِعِوَض.
قوله جلّ ذكره: {يَا عِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ}.
يقال لهم غدًا: {يا عبادي لا خوفٌ عليكم اليوم} مما يلقاه أهل الجمع من الأهوال، ولا أنتم تحزنون فيما قَصَّرْتُم من الأعمال، امَّا الذنوب.. فقد غفرناها، وأمَّا الأهوال.. فكفيناها، وأمَّا المظالم.. فقضيناها. فإذا قال المنادي: هذا الخطاب يُطْمِعُ الكلَّ قالوا: نحن عباده، فإذا قال: {الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِئَايَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ}.
أيِسَ الكفارُ، وقَوِيَ رجاءُ المسلمين.
قوله جل ذكره: {ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ}.
في رياض الجنة، وترْتَعون.
ويقال: {تُحْبَرُونَ} من لذة السماع.
قوله جل ذكره: {يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنُفسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
العُبَّاد لهم فيها ما تشتهي أنفُسهم لأنهم قاسوا في الدنيا- بحُكم المجاهدات- الجوعَ والعطشَ، وتحمَّلوا وجُوهَ المشاقِّ فيُجازون في الجنةَ بوجوهٍ من الثواب.
وأمَّا أهل المعرفة والمحبّون فلهم ما يلذ أعينهم من النظر إلى الله لطول ما قاسوه من فَرْطِ الاشتياق بقلوبهم؛ وما عالجوه من الاحتراق لشدة غليلهم.
قوله جلّ ذكره: {وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِى أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
أي يقال لهم- والخطاب للمطيعين غدًا-: أنتم يا أصحاب الإخلاص في أعمالكم؛ والصدق في أحوالكم:
{لَكُمْ فِيهَ فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأُْكُلُونَ}.
من الفاكهة الكثيرة تأكلون، وفي الأُنْس تتقبلون.
قوله جل ذكره: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ في عّذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}.
هؤلاء هم الكفار المشركون، فهم أهل الخلود، لا يُفْتَّرُ عنهم العذاب ولا يُخَفَّف.
وأمَّا أهل التوحيد: فقد يكون منهم قومٌ في النار. ولكن لا يخلدون فيها. ودليلُ الخطابِ يقتضي أنه يُفَتَّرُ عنهم العذاب. ورد في الخبر الصحيح: أنه لا يُميتهم الحقُّ- سبحانه- إماتةً إلى أن يُخْرِجَهم من النار- والميت لا يحسُّ ولا يتألم.
{لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}.
الإبلاس من الخيبة ويدل ذلك على أن المؤمنين لا يأس لهم فيها، وإن كانوا في بلائهم فهم على وصف رجائهم؛ يعدون أيامهم إلى أن ينتهي حسابهم.
ولقد قال الشيوخ: إنَّ حالَ المؤمن في النار- من وجهٍ- أرْوَحُ لقلبه من حاله في الدنيا؛ فاليومَ- خوفُ الهلاك:، وغدًا- يقينُ النجاة، وأنشدوا:
عيبُ السلامةِ أنَّ صاحبَها ** متوقِّعٌ لقواصم الظَّهْرِ

وفضيلةُ البلوى تَرَقُّبُ أهلِها ** عقبَ الرجاء مودةَ الدهر

قوله جل ذكره: {وَمَا ظَلَمْنَاهُم وَلكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمِينَ}.
هذا الخطاب يُشْبِهُ كلمة العُذْر- وإن جلّ قَدْرُه- سبحانه- عن ذلك.
{وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قال إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)}.
لو قالوا: {يا مَلِك} لعلَّ أقوالهم كانت أقربَ إلى الإجابة، ولكنَّ الأجنبيةَ حالت بينهم وبين ذلك، فكان الجوابُ عليهم:
{إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} فيها نُصِحْتم فلم تنتصحوا، ولم تقبلوا القول في حينه، وكان أكثرهم للحق كارهين.
قوله جلّ ذكره: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ}.
بل أمورُهم مُنْتَقَضةٌ عليهم؛ فلا يتمشّى لهم شيء مما دبَّروه، ولا يرتفع لهم أمرٌ على نحو ما قدَّروه- وهذه الحالُ أوضحُ دليل على إثبات الصانع.
قوله جل ذكْره: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}.
إنما خوَّفهم بسماع المَلَك، وبكتابتهم أعمالهم عليهم بغفلتهم عن الله- سبحانه، ولو كان لهم خبرٌ عن الله لما خَوَّفهم بغير الله، ومَنْ عَلِمَ أنَّ أعمالَه تُكتْتَبُ عليه، وأنه يُطالَبُ بمقتضى ذلك- قَلَّ إلمامُه بما يخاف أن يُسألَ عنه.
قوله جل ذكره: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوْلُ الْعَابِديِنَ}.
أي إن كان في ضميركم وفي حُكْمِكم وفي اعتقادكم أنَّ للرحمن ولدًا فأنا أوَّلُ مَنْ يستنكِفُ من هذه القالة.
قوله جل ذكره: {سُبْحانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}.
تنزَّه الله تنزيهًا، وتقدَّس تقديسًا عمَّا قالوه. وفي هذه الآيات وأمثالِهَا دليلٌ على جوازِ حكاية قول المبتدعة- فيما أخطأوا فيه من وصف المعبود- قصدًا للردِّ عليهم، وإخبارًا بتقبيح أقولهم، وبطلانِ مزاعمهم.
ثم قال جلَّ ذكره: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ}.
إذ ليس يفوت أمرُهم، وهم لا محالة سيلقون صغرهم.
وفي هذا دليلٌ على أنه لا ينبغي للعبد أن يَغْتَرَّ بطول السلامة فإنَّ العواقبَ غيرُ مأمونة.
قوله جل ذكره: {وَهُوَ الذي في السَّمَاءِ إِلهُ وَفِى الأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}.
المعبودُ- في السماء- الله، ولمقصودُ- في طلب الحوائج في الأرض- الله.
أهلُ السماءِ لا يعبدون غير الله، وأهل الأرض لا يَقْضِي حوائجهم غير الله.
{وَهُوَ الْحَكِيمُ} في إمهاله للغُصاة، {الْعَلِيمُ} بأحوالِ العِباد.
{وَتَبَارَكَ الذي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
تعالى وتقدَّس وتنزَّه وتكبَّرَ الذي له مُلْكُ السموات والأرض.
السمواتُ والأرضُ بقدرته تظهر لا هو بظهورها يتعزَّز.
قوله جل ذكره: {وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعَونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
أي شهد- اليوم- بالتوحيد، فيثبت له الحقُّ حقِّ الشفاعة. وفي الآية دليل على أن جميع المسلمين شفاعتهم تكون غدًا مقبوله.
قوله جلّ ذكره: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقولنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
فكيف لا يعتبرون؟ وكيف يتكبَّرون عن طاعة الله.
{وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فًسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
أي يعلم علم الساعة ويعلم {قيله يا رب}.
{فَاصْفَحْ عَنْهُمْ} أي أَمْهِلْهُم، وقل لكم مني سلامٌ.. ولكن سوف تعلمون عقوبة ما تستوجبون. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
فِي التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الرُّكُوبِ قوله تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَّهُ شَهِدَ عَلِيًّا- كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ- حِينَ رَكِبَ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قال: بِسْمِ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَوَى قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قال: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، قال: ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَكَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قال: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ فَقِيلَ لَهُ: مِمَّ تَضْحَكُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قال: رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتُ وَقال مِثْلَ الَّذِي قُلْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ فَقِيلَ لَهُ: مِمَّ تَضْحَكُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قال: الْعَبْدُ، أَوْ قال عَجَبٌ لِلْعَبْدِ إذَا قال لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا هُوَ.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا رَكِبَ قال: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ قال: هَذَا مَنُّك وَفَضْلُك عَلَيْنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا ثُمَّ يَقول: سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ.
وَرَوَى حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى ذِرْوَةِ سَنَامِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَقولوا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ».
وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قال: «إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ فَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ رَدَفَهُ الشَّيْطَانُ فَقال لَهُ: تَغَنَّ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قال لَهُ: تَمَنَّ».
فصل فِي إبَاحَةِ لُبْسِ الْحُلِيِّ لِلنِّسَاءٍ:
قال أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ «رُخِّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الذَّهَبِ»، ثُمَّ قرأ: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} وَرَوَى نَافِعٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قال: قال رَسُولُ اللَّهِ «لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلَالٌ لِإِنَاثِهَا».
وَرَوَى شَرِيكٌ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ رزيح عَنْ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قالتْ: سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقول وَهُوَ يَمُصُّ الدَّمَ عَنْ شَجَّةٍ بِوَجْهِ أُسَامَةَ وَيَمُجُّهُ: «لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْنَاهُ، لَوْ كَانَ أُسَامَةَ جَارِيَةً لَكَسَوْنَاهُ لِتُنْفِقَهُ».
وَفِي حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى امْرَأَتَيْنِ عَلَيْهِمَا أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقال: «أَتُحِبَّانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ بِأَسْوِرَةٍ مِنْ نَارٍ؟» قالتَا: لَا قال: «فَأَدِّيَا حَقَّ هَذَا».
وَقالتْ عَائِشَةُ: «لَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إذَا أَعْطَى زَكَاتَهُ».
وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى أَنْ مُرْ مَنْ قِبَلَك مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَصَّدَّقْنَ مِنْ الْحُلِيِّ.
وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَائِشَةَ حَلَّتْ أَخَوَاتِهَا الذَّهَبَ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَلَّى بَنَاتَه الذَّهَبَ.، وَقَدْ رَوَى خُصَيْفٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ قالتْ: لَمَّا نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ نَرْبِطُ الْمِسْكَ بِشَيْءٍ مِنْ الذَّهَبِ؟ قال: «أَفَلَا تَرْبِطُونَهُ بِالْفِضَّةِ ثُمَّ تُلَطِّخُونَهُ بِشَيْءٍ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَيَكُونُ مِثْلَ الذَّهَبِ».
وَرَوَى جَرِيرٌ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: كُنْت قَاعِدًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقالتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سِوَارَانِ مِنْ نَارٍ» فَقالتْ: قُرْطَانِ مِنْ ذَهَبٍ، قال: «قُرْطَانِ مِنْ نَارٍ»، قالتْ: طَوْقٌ مِنْ ذَهَبٍ، قال: «طَوْقٌ مِنْ نَارٍ»، قالتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَتَزَيَّنْ لِزَوْجِهَا صَلِفَتْ عِنْدَهُ، فَقال: «مَا يَمْنَعُكُنَّ أَنْ تَجْعَلْنَ قُرْطَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ تُصَفِّرِينَهُ بِعَنْبَرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ فَإِذَا هُوَ كَالذَّهَبِ؟».
قال أَبُو بَكْرٍ: الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي إبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ أَظْهَرُ وَأَشْهُرُ مِنْ أَخْبَارِ الْحَظْرِ، وَدَلَالَةُ الْآيَةِ أَيْضًا ظَاهِرَةٌ فِي إبَاحَتِهِ لِلنِّسَاءِ، وَقَدْ اسْتَفَاضَ لُبْسُ الْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ مُنْذُ لَدُنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ عَلَيْهِنَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ.